أحدث الأخبار
يأتي صيف 2016 بأجواء أكثر هدوءا على صعيد التظاهرات العمالية، بالرغم من تمرير البرلمان لقانون الخدمة المدنية، الذي خرجت نقابات مستقلة تحتج عليه في الصيف الماضي.
ويبدو من نصوص القانون الجديد أن الحكومة قامت ببعض التراجعات لصالح المطالب العمالية، لكنها احتفظت في الوقت ذاته بجزء كبير من النصوص التشريعية التي وضعتها في النسخة السابقة من القانون، والتي كان البرلمان قد رفضها مطلع العام، لتحقق هدفها في تقليص الامتيازات المالية للموظفين وتخفيض فاتورة الأجور.
وكانت الحكومة قد أصدرت في مارس 2015 قانونا للخدمة المدنية، في غياب البرلمان، يهدف لإعادة هيكلة القطاع الحكومي والسيطرة على فاتورة الأجور المتفاقمة.
ومر القانون بهدوء في ظل الدعاية السياسية للسلطة التي روجت آنذاك أن الحكومة تنفذ حزمة من الإصلاحات التشريعية، وذلك بهدف جذب استثمارات الشركات التي شاركت في مؤتمر اقتصادي ضخم تم تنظيمه بمدينة شرم الشيخ بعد أيام من صدور القانون.
لكن بمجرد أن لمس الموظفون الأثر المالي للقانون الجديد في بداية العام المالي 2015-2016، نظم العديد من نقابات العاملين بالقطاع الحكومي تظاهرات في أغسطس الماضي احتجاجا على انخفاض امتيازاتهم المالية التي كانوا يحصلون عليها قبل صدور "الخدمة المدنية".
وقالت الحكومة في نص الموازنة إنه "سيتم تثبيت المكافآت والبدلات لجميع العاملين بالدولة، بلا استثناء، كأحد الإصلاحات الهيكلية والمالية الضرورية".
والمقصود بتثبيت المكافآت والبدلات تعديل نظام حساب بعض الأجور المكملة (المتغيرة) للأجر الوظيفي (الأساسي) ليصبح فئات مالية مقطوعة (مبالغ محددة)، بدلا من الوضع السابق حيث كان هذا الأجر المتغير يحسب كنسبة من الأجر الأساسي.
وتقلل تلك الطريقة الجديدة في حساب الأجور المكملة من فرص نمو الأجور الحكومية.
ويستثنى من ذلك بعض بنود الأجور المكملة التي نص القانون أن تعامل كنسبة من الأجر الوظيفي، مثل العلاوة السنوية.
وقال أشرف العربي في مؤتمر صحفي نظمه وسط تصاعد الاحتجاجات العمالية عام 2015 إن الحكومة عدلت من نظام تحديد بنود الأجور المتغيرة ليصبح أمرا مركزيا مرتبط بموافقة رئيس الحكومة، وليس عن طريق المسؤولين المباشرين عن الموظفين كما كان الأمر من قبل.
وكان الهدف من وضع سلطة تحديد الأجور المتغيرة الجديدة في يد رئيس الوزراء تقليص الإنفاق على هذه الأجور بقدر الإمكان، في ظل رؤية الحكومة بأن العديد من تلك الأجور يتم تقديمها لموظفين غير مستحقين لها.
إلا أن احتجاجات نقابات موظفي الحكومة، مثل نقابات العاملين في الضرائب والمعلمين والنقل العام، ساهمت في خلق ضغوط على البرلمان الجديد الذي رفض القانون، فور تشكيله في يناير الماضي، بأغلبية كبيرة.
وتعكس مواد القانون الجديد الذي أقره البرلمان أمس لعبة عض الأصابع بين الحكومة ونقابات الموظفين. حيث سعت الحكومة لتقديم بعض التنازلات من خلال زيادة نسب العلاوات التي يقرها القانون كنسبة من الأجر الوظيفي، والتي تلعب دورا مهما في رفع الأجر الإجمالي للموظف على المدى الطويل.
ومن هذه التنازلات رفع نسبة العلاوة السنوية من 5% من الأجر الوظيفي في القانون السابق إلى 7%، ورفع العلاوة التشجيعية من 2.5% من الأجر الوظيفي إلى 5%.
كما زاد القانون الجديد من نسبة حافز التميز العلمي من 2.5% إلى 7%.
وكانت عملية تجميد المكافآت والبدلات في موازنة 2015-2016 ساهمت في الهبوط بنسبة النمو في الإنفاق على الأجور الحكومية إلى 8.6% مقارنة بنسبة 12.4% في العام السابق.
ومع تكرار الحكومة لنفس الإجراء في موازنة العام المالي الجاري، 2016-2017، انخفضت نسبة نمو النفقات الخاصة بالأجور إلى النصف تقريبا، لتبلغ 4.5%.
وتعكس مواد القانون الجديد إصرار الحكومة على كبح الإنفاق على الأجور الحكومية بالرغم من بعض التنازلات التي قدمتها تحت الضغط العمالي. حيث حافظ القانون على سلطة رئيس الوزراء في إقرار الأجور المكملة للموظفين، وقال في نصه "يصدر بنظام الأجر المكمل قرارا من رئيس مجلس الوزراء".
لكنه نص أيضا على حق "السلطة المختصة" في تقرير "مكافآت تشجيعية للموظف الذى يقدم خدمات ممتازة أو أعمالاً أو بحوثاً أو اقتراحات تساعد على تحسين طريقة العمل أو رفع كفاءة الأداء أو توفير النفقات".
ويقصد القانون بتعبير السلطة المختصة الوزير أو المحافظ أو رئيس الهيئة.
وبالرغم مما أتاحه القانون لهذه الفئات من حق تقرير بعض بنود الأجور المكملة، فقد قيد هذا الحق بشرط "سماح البند المخصص لذلك (لتلك البنود من الأجور المكملة) في الموزانة العامة".
كما حافظ القانون الجديد على مجلس الخدمة المدنية، الذي نص عليه القانون السابق، وهو المجلس الذي سيشارك فيه رئيس قطاع الموازنة العامة بوزارة المالية، وسيكون أحد أهدافه تقديم "المقترحات فيما يتعلق بالموازنة المخصصة للخدمة المدنية"، مما سيجعل موازنة القطاع الحكومي تحت رقابة مستمرة من وزارة المالية.
لكن القانون الجديد أضاف للتشكيل السابق لهذا المجلس عضوا من المنظمات النقابية المنتخبة، يختاره مجلس إدارة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر .
وحافظ القانون أيضا على مبدأ فصل الموظفين بناء على تردي مستواهم المهني، وهو ما قد يؤدي إلى تخفيض أعداد موظفي هذا القطاع الذين يتجاوزون الخمسة ملايين موظف.
وكرر القانون ما تم النص عليه في النسخة السابقة بأن الموظف الذي يصدر بشأنه تقريران سنويان متتاليان بمرتبة ضعيف، يتعرض لسلسة متدرجة من الإجراءات التي قد تنتهي بإصدار توصية بفصله من قبل لجنة الموارد البشرية بالجهة التي يعمل بها، على أن يتم رفع مقترح فصله للسلطة العليا التي يتبعها، لتقرير مصيره.
كما حافظ القانون على المبدأ الخاص بعدم جواز ترقية الموظف المُعار إلا بعد عودته من الإعارة، واستمر أيضا في إعطاء الموظفين الذين تجاوزوا سن الخمسين الحق في طلب إحالتهم للمعاش المبكر، وهي الإجراءات التي قد تساهم في تخفيض نفقات الأجور الحكومية على الأجل الطويل.