أحدث الأخبار
في 2014 طلبت وزارة التخطيط من عدد من الباحثين المصريين المشاركة في إعداد تقرير للتنمية البشرية، بغرض تقديم مقترحات على أساس علمي، تضع طريقا لتقليل فجوات الدخل والرفاهة بين المصريين، وإعداد مشروع قومي للعدالة الاجتماعية، أحد أهم مطالب ثورة يناير 2011، ولكن بعد تقديم المقترحات لم يظهر التقرير، إلا عن طريق الخطأ أول أمس، وليوم واحد فقط، على موقع وزارة المالية.
فقد نشرت وزارة المالية أمس الأول على موقعها الإلكتروني التقرير، الذي جاء بعنوان "العدالة الاجتماعية" والمعد من 2014 ولم يتم نشره من وقتها، لكنها رفعته بعد ساعة واحدة، وعلمت أصوات مصرية أنه تم نشر التقرير عن طريق الخطأ.
ووضع التقرير خارطة طريق نحو العدالة الاجتماعية في 17 فصلا تناقش أوضاع الصحة والتعليم والثقافة والدخل والثروة والعدالة بين الأقاليم وتمكين المرأة والشباب وحقوق متحدي الإعاقة والتنمية المستدامة والسياسات الاقتصادية والاجتماعية والعدالة التشاركية.
أصوات مصرية ناقشت معدي التقرير في رأيهم عن مدى تنفيذ مقترحاتهم التي قدموها منذ عامين للحكومة المصرية.
"نحن من الأساس لا نستطيع تحديد مدى عدالة توزيع الدولة لمواردها، لأن الموازنة لا تتضمن تقسيما للتمويل وفقا للشياخات والأحياء، أصغر تقسيم يكون على مستوى المحافظة، فكان الاقتراح المبدأي هو التقسيم على مستوى الشياخات"، كما تقول ريم عبدالحليم، أستاذة الاقتصاد، والمشتركة في كتابة فصل "العدالة المكانية" في التقرير.
وتشير أستاذة الاقتصاد إلى أن العدالة المكانية تتحقق عبر تعديل مجموعة من القوانين، مثل التخطيط العمراني والبناء الموحد والتخطيط الاقتصادي والإدارة الموحد "وهذا ما لم يحدث حتى الأن".
وأقر مجلس النواب مئات القوانين في دور انعقاده الأول، ليس منها القوانين التي تطالب ريم عبدالحليم بتطبيقها في التقرير.
وطالبت أستاذ الاقتصاد بأن تقوم الدولة بتنسيق قرارتها فيما يخص التخطيط المالي والاجتماعي وتقسيم الأحوزة العمرانية، بشكل يضمن عدالة إتاحة تقديم الخدمات بشكل عادل.
وقالت "انتهى عصر الخطط، ولابد من وجود خريطة احتياجات مالية واجتماعية وعمرانية موحدة على مستوى الجمهورية، وهناك مثال واضح على سوء التخطيط في قلب القاهرة، وهو عزبة الهجانة، التي تعتبر منطقة تركز فقر في شرق القاهرة، حيث قامت الدولة بخلق حي محروم من الخدمات في شرق القاهرة، ونتيجة وصمه بفقر الخدمات، أصبح سكانه من الفقراء".
وطالبت ريم عبد الحليم بزيادة لامركزية تقديم الخدمات، "لا توجد وظيفة تنموية محددة للمحليات، والمحافظ ليس له سلطات مالية، فكيف تحدث التنمية؟".
ويقول تقرير التنمية البشرية إن المجتمع المدني والتعاونيات هما مفاتيح الحل لمنع زيادة الأسعار غير المبررة في الأسواق، "هناك مأساة في التشريعات التي تنظم التعاونيات، حيث ينظم عملها 7 تشريعات حولتها من اقتصاد تشاركي لذراع للدولة، التعاونيات بطبيعتها محلية وأسهل في الحركة وقائمة على مصالح الأعضاء، وهذه كلها أسباب تجعلها قادرة على ضبط الأسعار، ولكن القانون يعطلها"، وفقا لريم عبد الحليم.
ويتحدث الفصل الخامس من التقرير عن دور البرلمان في تطبيق العدالة الاجتماعية.
الباحثة السياسية حبيبة محسن، والتي شاركت في إعداد هذا الفصل، تقول إن الأحزاب الأكثر تمثيلا في البرلمان، ليس لديها نفس المفهوم عن العدالة الاجتماعية.
وقامت الباحثة بتقييم رؤية الأحزاب عن العدالة الاجتماعية وفقا لبرامج وتصريحات ممثلي 5 أحزاب، هي الوفد والمصريين الأحرار ومستقبل وطن والنور والمصري الديمقراطي.
وتقول "كان مفهوم حزب النور عن العدالة الاجتماعية أقرب لمفهوم العمل الخيري، والأحزاب الليبرالية، مثل المصريون الأحرار والوفد، كانت تتحدث عن ضرورة النمو، وبالتالي تساقط ثمار هذا النمو على الفقراء، أما حزب مستقبل وطن فكان تركيزه الأساسي على السياسات الأمنية مع اهتمام ضعيف بالتنمية وتقديم الخدمات للمواطن، بينما كان أقربهم لمفهوم العدالة الاجتماعية كحق للمواطن، هو الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، حيث تحدث ممثلوه عن الحد أدنى للدخل، والحق في الصحة والتعليم والسكن والتوزيع العادل للموارد".
نقطة أخرى تشير إليها الباحثة، وهي أن باقي أعضاء المجلس من المستقلين كان معظم اهتمامهم يتركز على خدمة الدائرة الانتخابية التابع لها، مع اهتمام أقل بكثير بتحسين الخدمات على المستوى القومي، "هناك غياب واضح لفكرة حقوق المواطنين، أو ضرورة إعداد سياسة عامة للدولة تحل المشاكل وتحسن الخدمات على مستوى قومي".
وكان الحل الذي طرحته حبيبة محسن هو إعداد قناة لتواصل أعضاء البرلمان مع المجتمع المدني والخبراء في مجال العدالة الاجتماعية، "وهذا غير موجود حاليا".
الفصل السادس في التقرير تم تخصيصه للصحة وبناء الإنسان المصري، وقدم علاء غنام، مُعد هذا الفصل، عددا من المقترحات لخفض الفجوات في تقديم خدمات الرعاية الصحية للمواطنين.
طالب غنام، مسؤول ملف الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بالاعتماد على الخريطة القومية لوزارة الصحة، والتي توضح أعلى نسب الإصابة بالأمراض، موزعة على مستوى الجمهورية وربط المراكز العلاجية بقاعدة بيانات وزارة الصحة.
كما اقترح تعديل هياكل أجور العاملين بالمجال الصحي من أطباء وممرضات وغيرهم، بما يضمن تحسين المخرجات النهائية.
واقترح أيضا تحسين استهداف الدعم الموجه للرعاية الصحية المجانية التي يقدمها القطاع الصحي عبر إلغاء رسوم استخدام الخدمة الصحية، وتقديم كوبونات أو حوافز نقدية لاستخدام الرعاية الصحية، ووضع برامج لسياسات اجتماعية تستهدف الصحة.
ولم تقم الحكومة بتنفيذ أي من هذه المقترحات لتحسين أوضاع العدالة الاجتماعية في مجال الصحة، "تنفيذ هذه المقترحات مرتبط بإقرار قانون التأمين الصحي الجديد، بعدها نحتاج من 7 إلى 10 سنوات لتطبيق هذه المقترحات"، وفقا لغنام.
ومن المفترض أن يقوم البرلمان بمناقشة قانون التأمين الصحي الجديد خلال دورته الحالية.
ومن المفترض أن تصب كل مقترحات التقرير، في التعليم والصحة والإسكان والتوظيف وغيرها، في خانة تحقيق العدالة الاجتماعية، والتي عندما تسود، وفقا للتقرير، سيتمتع أبناء المجتمع بفرص متكافئة للحراك الاجتماعي، يتمكن بمقتضاها أي فرد من الارتقاء إلى مرتبة اقتصادية أو اجتماعية أعلى بناء على معايير الجدارة، ويتلاشى التمييز ضد أي من أفراد المجتمع بسبب الثروة أو العمر أو الطبقة أو العرق أو الدين أو النوع الاجتماعي أو لون البشرة أو المهنة.
وتصل العدالة الاجتماعية إلى أقصاها عندما يرتبط الحراك الاجتماعي بدرجة كاملة بالجدارة والاستحقاق، ولا يعني ذلك ترك كل المقدرات "لقوى السوق" فقط، حيث يقتضي الأمر على التوازي توفير الحماية للفئات المهمشة والضعيفة التي لا تستطيع المنافسة ولا تستطيع التمتع بحياة كريمة دون مساندة المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، كا يرى معدو التقرير.