أحدث الأخبار
قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن الحكومة السورية التي تحقق مكاسب في ساحات المعارك والتي تحظى بالدعم من إيران وروسيا، تجد نفسها المستفيدة من تغيير مواقف قوى إقليمية بالمنطقة.
وأضافت أن مصر وتركيا -البلدان اللتان كانتا معارضين صاخبين للرئيس السوري بشار الأسد- خففتا بدرجات متفاوتة من موقفهما تجاه الأسد.
فمصر، أكبر بلد سني من حيث عدد السكان في المنطقة والتي تخشى من الحكم الديني الشيعي في إيران، أوضحت للعلن -للمرة الأولى- دعمها الضمني المتزايد للحكومة السورية. وتركيا، وهي قوة سنية إقليمية، تعيد تشكيل ساحة الحرب في سوريا بالتقرب إلى روسيا على حساب دعمها الطويل الأمد للمتمردين الذين يحاربون الأسد.
وقالت الصحيفة إن التحولات في موقفي مصر وتركيا تأتي في وقت متقلب، حيث تحاول دول في الشرق الأوسط –والتي تحالفت منذ وقت طويل مع الولايات المتحدة- حماية نفسها بالرهان على أكثر من دولة، وتتطلع إلى موسكو للحصول على الدعم في الوقت الذي يحول التدخل الروسي الصراع في سوريا.
وأضافت أن هذه المناورة تأتي في الوقت الذي تؤكد فيه روسيا على قوتها في جميع أنحاء المنطقة لدرجة لم يسبق لها مثيل منذ العهد السوفيتي، بشراكتها مع إيران ذات الطموح المتزايد. أما التحالفات الأمريكية طويلة الأمد مع تركيا ومصر والسعودية فتواجه عدم يقين جديد مع انتخاب دونالد ترامب، الذي لا تزال سياسته الخارجية غير معروفة إلى حد كبير باستثناء ميله المعروف إلى زعزعة الأمور.
وتابعت أن مصر -التي شهدت تراجعاً في نفوذها- تسعى للحصول على حلفاء وتعزيز أهميتها أينما يمكنها العثور عليهم، حتى لو كان يعني هذا تنحية مخاوفها بشأن إيران.
وقالت الصحيفة إنه في حين أن أهداف روسيا تبدو أنها تتمثل في توسيع نفوذها وتمهيد الطريق لإعادة التأهيل الدولية لحكومة الأسد، فإن خلط التحالفات ما زال مستمرا والنتائج غير واضحة، وكذلك فالعلاقات الجديدة مضطربة.
ونقلت الصحيفة عن برايانكاتوليس، الزميل في مركز التقدم الأمريكي، قوله إن "في السياق الإقليمي اليوم، ذلك التحوط التكتيكي من الدول على جبهات متعددة من المرجح أن يستمر وربما يتسارع في ظل إدارة ترامب".
وذكرت أن مصر وتركيا كلاهما أقدمتا مثلا على التحوط واختبار إعادة الاصطفاف (اختيار الحلفاء) دون الخوض في الأمر بكامل قواهما.
وأشارت إلى أن تركيا توصلت إلى ما يحتمل أن يكون تفاهم يغير قواعد اللعبة مع روسيا في شمال سوريا بإضعاف دعمها للمتمردين المحاصرين في مدينة حلب السورية المقسمة في مقابل بسط نفوذها على طول الحدود- لكن تركيا مستمرة في دفع حدود الاتفاق سياسيا وعسكريا. وبالنسبة لمصر، فهي تبعد عن حلفائها التقليديين بطريق ما عن طريق الانفصال عن السعودية بالنسبة لسوريا؛ وتبقى مصر معتمدة ماليا على المملكة وتأمل في رأب الصدع مع الولايات المتحدة في ظل رئاسة ترامب.
وقال كاتوليس إن "مصر تسعى لإيضاح أن لها موقف ووجهة نظر مستقلين" بشأن الصراع السوري والسياسة الإقليمية بإيجاد التوازن في علاقتها مع الولايات المتحدة وروسيا وبدون التحالف كليا مع دول الخليج أو إيران.
وقال مايكل وحيد حنا، زميل بمؤسسة "ذا سينشري" وهي معهد بحثي مقره مدينة نيويورك الأمريكية، إن "عقيدة السيسي" الناشئة -التي سميت تبعا لاسم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي- هي "المعاداة الصارمة للإسلام والمكافحة الصارمة للتشدد والدعم الصريح للدول القومية والسيادة".
وقالت الصحيفة إن تلك المواقف متطابقة مع الأسد، لكن تختلف عن موقف السعودية التي طالما كانت أحد شرايين الحياة المالية لمصر بإمدادها بمساعدات تقدر بعشرات مليارات الدولارات.
وأضافت أن السيسي يشعر بالقلق على نحو متزايد من تركيا. ويرى أن الهزيمة الأخيرة لمحاولة الانقلاب على حكومة إردوغان الإسلامية هي "مولد لدولة دينية في أوروبا"، حسبما قال السيسي لكاتوليس في يوليو خلال حوار مدته ساعتين لتقرير سيذاع عن سياسة الولايات المتحدة في مصر.
ومع ذلك، قال كاتوليس إن الرئيس المصري أوضح أنه ما زال متشككا في نموذج الإسلام الشيعي في إيران، على الرغم من تحالفه مع الأسد ومعارضته لوجود تركيا في سوريا.
وقالت الصحيفة "الآن يبدو أن السيسي يضع مخاوفه من إيران على نار هادئة ويركز أكثر على الحركات السنية الإسلامية التي ينظر إليها باعتبارها تهديداً أكبر". وأضافت أن تقديم المساندة لسوريا يساعد مصر الضعيفة في استحضار أيام مجدها كقائدة للقومية العربية كما كانت في 1960.
وقال كمال علام، زميل زائر بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، إن تأكيد السيسي على سيادة الدولة ودعمه للدول العربية في مواجهة المتمردين، هو هدية كبرى للحكومة السورية في سعيها للشرعية.
وذكرت الصحيفة أنه قبل 3 سنوات، كانت تركيا ومصر داعمين بارزتين للمتمردين السوريين في اصطفاف مع السعودية، فيما رآه سعوديون على أنه كفاح جيوسياسي وطائفي في مواجهة إيران.
وتابعت "اليوم كلا البلدين انحرفتا بدرجات متفاوتة عن السعودية في اتجاه روسيا إن لم يكن تجاه إيران مباشرة، كما فعلت الأردن وهي حليف أمريكي آخر، وبلد سني في معظمه طالما كان دعمه للمتمردين فاترا نسبيا".
وقالت الصحيفة إن البلدان الثلاثة يسعون إلى حماية أنفسهم من تداعيات الاضطرابات في سوريا -من المهاجرين واللاجئين الفارين، ومن المتشددين الإسلاميين مثل الدولة الإسلامية، ومن المنتسبين لتنظيم القاعدة الذين كسبوا موطئ قدم وسط المتمردين في سوريا، ومن أي ثورة شعبية محتملة.
وتابعت أن مصر كانت أول من ابتعد، في 2013 عقب صعود السيسي-الذي كان قائد الجيش آنذاك- للحكم عقب عزل محمد مرسي أحد قادة جماعة الإخوان والذي أيد بشدة الثورة السورية. وأوضحت وسائل الإعلام الموالية للحكومة أن الموقف المصري تجاه ما يحدث في سوريا تغير، بل إن لاجئين سوريين تعرضوا لهجوم في شوارع بمصر.
وتجنب السيسي ووزير خارجيته الإعلان بصراحة عن دعم الأسد، ويفترض أن ذلك كان بهدف تجنب استعداء السعوديين، لكنهم استضافوا في هدوء مسؤولين سوريين ووضعوا أنفسهم موضع الشريك العربي لموسكو بالنسبة لمسألة سوريا، بحسب الصحيفة.
وتابعت الصحيفة أن عقب ذلك توترت العلاقات بين مصر والسعودية جزئيًا، بسبب رفض مصر المشاركة بنشاط في الحرب التي تخوضها السعودية في اليمن ضد المتمردين المدعومين من إيران. وقطع السعوديون إرسال شحنات النفط المخصصة لمصر.
وقالت إن اصطفاف مصر مع الجبهة المؤيدة للأسد أصبح أكثر علنية. ففي أكتوبر ضغطت إيران لمساعدة مصر على الانضمام لمحادثات دولية بشأن سوريا. كما صوتت مصر مع روسيا لصالح مشروع قرار في الأمم المتحدة بشأن سوريا، كما استضافت القاهرة مؤخرا علي مملوك قائد الأمن القوي في سوريا ولم تكن زيارته الأولى للقاهرة منذ بدء الحرب في سوريا، لكنها كانت الأولى المعترف بها علنا.
وأشارت إلى أن السيسي قدم، الشهر الماضي، قدراً من الدعم العلني للأسد. فقال السيسي -ردا على سؤال عما إذا ما كانت مصر ستكون مستعدة لإرسال قوات حفظ سلام إلى سوريا- إنه من الأفضل دعم "الجيوش الوطنية". وعند الضغط عليه لتوضيح ما إذا كان ذلك يعني القوات الموالية للأسد قدم السيسي ردا مقتضبا قائلا "نعم".
وقالت الصحيفة كانت كلمات قليلة ولكن بالنسبة للأسد -المعزول دوليا- فأي إيماءة صغيرة لشرعيته تعني الكثير. وسريعا انتشرت تقارير تفيد بأن مصر كانت ترسل طيارين لمساعدة جهود الأسد في الحرب، لكن مسؤولين مصريين نفوا ذلك بشدة واتفق محللون إقليميون على أنه من غير المرجح حدوث ذلك.
وأضافت أن مصر ليست في موقف يسمح لها بخوض مغامرات عسكرية خارجية. وقال حنا، الذي يدرس مصر والمنطقة في مؤسسة "ذا سينشري"، إن هذا جعل المملكة العربية السعودية "غاضبة جدا بشكل واضح"، لكن هناك احتمالات أن السعودية ستستمر في إرسال المساعدات لمصر والتي تهدف في المقام الأول إلى دعم الاستقرار هناك.