أحدث الأخبار
نجح معرض الكتاب خلال أسبوعه الأول في إنعاش سوق الكتاب والحركة الثقافية المصرية، رغم ثغراته التنظيمية والقلقلة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد جاعلة من القراءة ربما ترفاً في ظل ما يكابده المواطن المصري يومياً، ليثبت المعرض أنه الملتقي الأكبر سنوياً لمريدي الكتاب الذي يشكل "ثروة العالم المخزونة" -كما يقول الكاتب الأمريكي هنري ثورو- يعزّزُ ذلك النشاطاتُ والندواتُ التي تعقد على مدى أيام المعرض.
كان ارتفاع الدولار قد ألقى بثقله على سعر خامات الكتب أهمها الورق الذي يشكل أكثر من60% من تكلفة الكتاب وقد تضاعف سعره نتيجة لذلك، إلى جانب عبء الكتب المستوردة والمترجمة، كل ذلك وضع صناعة النشر في مطبٍ اقتصادي دون أفقٍ قريب للخروج منه.
* دورُ النشر.. حضورٌ وتخفيضات
حاولت دورُ النشر المصرية مواجهةَ أزمة التضخم من خلال سبل عدّة هدفها تقديم التسهيلات أمام القراء، كانت الخصومات أهمها. "دار صفصافة للنشر والتوزيع تحاول أن توازن ارتفاع الأسعار بخصوماتٍ قوية تقدمها سنوياً للجمهور وتشمل الكتب التي مرَّ على صدورها أكثر من شهر، إضافة إلى الإصدارات التي يُقبِل عليها القراء.
ويقول الناشر محمد البعلي مدير الدار، لأصوات مصرية، إن "معضلة التضخم التي تفجرت مؤخراً أثرّت على أسعار مدخلات الإنتاج كالورق والأجور والنقل وغيرها، فاضطررنا لرفع الأسعار قياساً بالجنيه".
ويضيف البعلي أن الهيئة العامة للكتاب –الجهة المنظمة للمعرض- لم تقدم أي تغييرات أو تخفيضات تذكر للناشرين المصريين.
من جانبه، يؤكد وائل مُللا -مدير "دار مصر العربية"- أن تنظيم المعرض كعادته لم يخل من العيوب التي ربما لا يكلِّف علاجُها الكثير كترقيم الأجنحة وإعداد قاعدة بيانات منضبطة، مشيراً إلى أن دَور الهيئة العامة للكتاب لم يختلف لهذا العام عن دورات المعرض السابقة، معللاً بأنه في ظل ضيق الموارد المادية ليس لديها المساحة الكافية لتقديم المزيد.
ويضيف مُللا، لأصوات مصرية، أن "دار مصر العربية" تقدم خلال المعرض خصومات وعروض على بعض المؤلفات مع الإبقاء على أسعار عناوين أخرى.
ويتابع "الإقبال هذه العام في حدود المعتاد ولم يختلف كثير عن الدورات السابقة"، لافتا إلى أنه أكثر من المتوقع في ظل ارتفاع الأسعار التي ألقت بظلالها على أسعار الكتب، وقال "ارتفاع أسعار خامات الطباعة دفعنا إلى تخفيف كمية المطبوع ورفع الأسعار قليلاً، إضافة إلى نشر العناوين التي يُرجى منها عائد أسرع".
* "سور الأزبكية" قِبلة المتعبين
جناحُ "سور الأزبكية" مساحةٌ لها تميُّزها وزوارُها في معرض الكتاب، فهو مقصد للكثير من هواة جمع الكتب والمجلات القديمة، فضلا عن أسعارها الزهيدة –قياسا مع باقي الأجنحة- ما يجعله متنفساً لمن يرزحون تحت الضغوط المادية، إلى جانب تنوع أقسامه وغناها. فكان مشهد الإقبال عليه هذا العام مُلفتاً، أما باعته فهم كغيرهم ممن ينتظرون معرض الكتاب لتسويق منتجاتهم، وتعويض شيء مما خسروه خلال الموسم، في حين أن بعضهم لا يعرض إصداراته إلّا في هذه التظاهرة، حسب قوله، على اعتبار أن إصداراته ليست آنية بل هي مجلات وكتب تراثية قديمة.
كما أن جناح الهيئة العامة للكتاب يشهد توافدا للزوار تعزّزه التخفيضاتُ التي شملت معظم إصداراتها، كان منها رواية "مئة عام من العزلة" لجابرييل جارسيا ماركيز، ورواية "جاستي العظيم" لـ ف سكوت فيتزجيرالد، وكتاب "سندباد مصري" لحسين فوزي الذي يقدم فيه رؤيةً خاصة عن المنعطفات التي عصفت بالتاريخ المصري وساهمت في تشكيل الشخصية المصرية.
* انتصار الكتاب المطبوع
الكاتب والصحفي حسام مصطفى يعتبر المعرض انتصارا كبيرا للكتاب المطبوع في ظل هيمنة الموبايل والتابلت ومواقع التواصل الاجتماعي وجميع أوجه التكنولوجيا التي تكتسح حياتنا، ويوضح -لأصوات مصرية- أنه رغم ارتفاع الأسعار من 10 إلى 25% إلا أن الإقبال ما زال كبيراً على المعرض، بوصفه تظاهرة ثقافية وإنسانية وفنية مهمة، من العام للعام، وقال "المشهد مُفرح، خصوصاً عدد الأطفال الكبير الذي يحرص الآباء على اصطحابهم، لتعويدهم القراءة، ومصاحبة الكتاب، إضافة للفعاليات الثقافية المختلفة".
"لدي الكثير جداً لأقوله" إصدارٌ جديد لحسام مصطفى عن "دار تشكيل" يتخلل معرض الكتاب، ويتضمن الكتاب مقالاتٍ، يُعيد من خلالها مناقشة الكثير من المسلَّمات، وعلى رأسها العلاقة بين الرجل والمرأة، وأهم تجلياتهما.
يؤكد حسام أنه رغم ارتفاع أسعار الورق وتكاليف الطباعة ومفردات صناعة الكتاب نتيجةَ الظروف الاقتصادية، إلا أنه لم يجد صعوبة في النشر معللاً "سبق لي نشر 8 كتب أخرى، وأصبحت معروفا بين القرّاء والناشرين".
"مَن يعاني غالباً الشباب الذين ينشرون لأول مرة، إذ تتحكم فيهم دور النشر وربما تُحمِّلهم تكلفة طباعة عملهم الأول كاملاً"، مضيفاً أن أغلب المؤسسات الثقافية لم تعد تُلقي بالاً لاكتشاف المواهب الجديدة، وتُفضّل "اللعب في المضمون" باختيار أسماء لها جمهورها، كي تضمن بيع أكبر كمٍّ ممكن من النُسخ، وهذا أثرٌ آخر من آثار الأزمة الاقتصادية.
يفرد المعرض مساحةً لإبداع الشباب من خلال إصدارات وندوات وورش قراءة، على اعتبار أن شعار المهرجان لهذا العام "الشباب وثقافة المستقبل" لعلّه يأخذ الشباب المصري إلى آفاق أكثر وعياً وانفتاحا في ظل ما يكابده من معاناة حياتية يومية، فالقراءة تبقى سفينة نجاة، حسب قول حسام مصطفى، معللاً بأنها مرتبطة بتنمية الوعي، والوعيُ درعٌ واقية ضد التزييف والاستلاب الفكري والاستهواء، ويقول "شعارات المعارض والمنتديات والندوات، تكون غالبا للاستهلاك المحلي، وربما تخاطب الخارج أكثر من الداخل، لكن كل هذا لا يعنينا، ما يعنينا استمرار إقامة المعرض، الذي يمثّلُ أحد تجليات القوة الناعمة لمصر، قوة الثقافة والفن والإبداع".
* أيام المغرب الحلوة
على ضفة أخرى تحلّ دولة المغرب ضيف شرف المعرض الذي يستضيف وفداً من نحو 60 مثقفا ومبدعا، إضافة لأنشطة تشمل الأدب المغربي على مدار أيام المعرض، حملت برامجها عنوان "التوطين الزمني للبرمجة الثقافية"، أحد الأنشطة استضافتها قاعة "سلامة موسى" منذ يومين وتضمنت مناقشة لرواية "أيامنا الحلوة" للكاتب المغربي موحا صواك، الصادرة باللغة الفرنسية عن دارلوفينيك 2014 وترجمها للعربية فريد الزاهي، موحا صواك كاتب وباحث في الثقافة الأمازيجية والتراث الشفوي الجنوبي، يعمل مدرساً للغة الفرنسية في مدينته الرشيدية في المغرب وله إصدارات باللغة الفرنسية، منها "سنة الكلبة"، "إبليس". قال عنه أحد النقاد المغاربة إنه يكتب "عن معرفة حقيقية بالمجالات التي يتناولها"، نال جائزة الدورة الحادية والعشرين للأطلس الكبير عن رواية "أيامنا الحلوة" التي تحكي قصة شغف فتاة مغربية بصوت الراحل عبد الحليم حافظ.
أيضاً يتخلل البرنامج ندوة مع الشاعر المغربي صلاح بوسريف حول إصداره الأخير «الأعمال الشعرية» الذي جمع إنجاراته الشعرية منذ تسعينيات القرن الماضي حتى الآن. وبوسريف صوت شعري ذو حضور في المغرب، له إصدارات نقدية تركز في غالبها حول الشعر العربي المعاصر.