أحدث الأخبار
قالت وكالة رويترز للأنباء إن عددا من الأزمات ساهم إعادة إحياء زراعة القطن المصري طويل التيلة، بعد أن تراجع إنتاجه بشدة خلال السنوات الأخيرة، على رأسها تعويم الجنيه والغش التجاري لعلامة القطن المصري في الأسواق الدولية.
وأشارت الوكالة، في تحقيق نشرته اليوم الإثنين، إلى أن القطن الذي كان في وقت من الأوقات من أشهر صادرات مصر، وتفضله شركات صناعة الملابس وأغطية الفراش لنعومته الشديدة، أصبح محصوله نادر لدرجة جعلت معظم ما يباع من منتجات قطنية تحمل اسم القطن المصري في العام الماضي غير أصلي.
غير أن ارتفاع أسعار القطن محليا قبل بداية موسم زراعته في الشهر المقبل، ومحاربة استخدام اسم القطن المصري دون وجه حق على مستوى العالم بدأ يحيي الاهتمام بزراعة هذا المحصول الذي تعرض للإهمال منذ فترة طويلة.
ويقول مزارعون وشركات حلج ومصدرون إن انخفاض قيمة الجنيه المصري في أعقاب تعويمه في نوفمبر الماضي، وكذلك فضيحة بيع منتجات تحمل زورا علامة القطن المصري أدى إلى زيادة الطلب على المنتج الأصلي وبث حياة جديدة في صناعة شارفت على الفناء بعد أن كانت تضرب بجذورها في التاريخ.
وقال أحمد البساطي رئيس شركة النيل الحديثة للأقطان، وهي من الشركات الكبرى في تجارة القطن، إن إنتاج القطن المصري سيزيد هذا العام إلى مثليّ أو ثلاثة أمثال ما كان عليه في العام الماضي.
وفي العام الماضي بلغ محصول القطن طويل التيلة الممتاز في مصر أدنى مستوياته منذ أكثر من 100 عام.
وقال نبيل السنتريسي، رئيس اتحاد مصدري الأقطان، إن الإنتاج يتراجع منذ عام 2011، الذي شهدت فيه البلاد الثورة، والتي تزامنت مع تخفيف القيود على الجودة بما أدى إلى التقليل من مستوى القطن المحلي.
وأحرق مزارعون محاصيلهم من القطن في مواجهة خسائر كبيرة، وتحول كثيرون منهم إلى زراعة الأرز.
وفي مسعى لإنقاذ المحصول الذي يحظي بسمعة تاريخية منعت مصر في 2016 استخدام كل أنواع البذور من القطن باستثناء أعلى الأنواع جودة، الأمر الذي أدى إلى انكماش كبير في المساحة المزروعة بالقطن ولكن نجح في الوقت نفسه في تحسين جودة الإنتاج.
وتقدر وزارة الزراعة الأمريكية أن إنتاج مصر في 2016-2017 سيبلغ حوالي 160 ألف بالة أي نصف محصول العام السابق، وبتراجع كبير عن مستواه في 2004-2005، حين بلغ 1.4 مليون بالة.
الفضيحة المنقذة
قالت شركات لحلج الأقطان وتصديرها إنه في ضوء انخفاض المخزونات العالمية لجأ بعض الموردين الأجانب إلى خلط أنواع أقل جودة وغزلها وتصنيع منسوجات منها ووضعوا عليها ملصقات تبين زيفا أنها مصنوعة من القطن المصري.
وتقدر جمعية القطن المصرية التي تعطي موافقتها للموردين على استخدام شعار القطن المصري أن حوالي 90% من الإمدادات العالمية التي حملت اسم القطن المصري في العام الماضي كانت غير أصلية.
وقال خالد شومان رئيس الجمعية لرويترز "عندما تستطيع الشركة المصنعة أن تكتب أنه قطن مصري مئة في المئة ويفعل الكل الشيء نفسه فلماذا إذن تشتري القطن المصري الفعلي؟."
واحتلت الفضيحة عناوين الأخبار العام الماضي عندما اتهمت شركة تارجت الأمريكية لمتاجر التجزئة شركة ولسبن انديا الهندية لصناعة المنسوجات باستخدام أنواع رخيصة من القطن غير المصري في إنتاج أغطية الفراش والوسائد.
وبدأت شركات التجزئة تعيد النظر فيما إذا كانت ستتوقف عن بيع منتجات ولسبن وطالبت من يعرض بيع منتجات من القطن المصري الخالص أن يبرز الدليل المؤيد لذلك.
وقال السنتريسي "كل ذلك أحيا الاهتمام بالقطن المصري وزاد الطلب."
وقال شومان إن الجمعية تلقت منذ فضيحة ولسبن "عددا هائلا" من الطلبات لاستخدام شعارها الذي يضمن الجودة، وإن 20 شركة وقعت اتفاقات معها منذ ديسمبر الماضي.
وأضاف "هناك تركيز أكبر الآن على انتقاء الموردين الذين يستخدمون القطن المصري بنسبة 100%... والشركات تقول لنا مطلوب منا الحصول على ترخيصكم لأننا لا نستطيع بيع منتجاتنا بدونه".
وفي أعقاب الفضيحة أعلنت ولسبن إحدى أكبر شركات المنسوجات في العالم إجراء تحقيق في إجراءات التوريد لديها.
وقالت الشركة يوم الخميس الماضي إن جمعية القطن المصرية منحتها حق استغلال شعارها حتى عام 2022 في أعقاب التأكد من تطبيق نظام تتبع كامل لمنظومة الإنتاج وفق القواعد والمعايير التي وضعتها الجمعية لضمان سلامة المنتجات.
وقالت ولسبن إنها تعتزم الآن استثمار ثلاثة ملايين جنيه في تسويق القطن المصري على مستوى العالم وربما تفتح مصنعا في مصر.
وأضافت "نحن نتوقع زيادة في الطلب على القطن المصري ونرى ظروفا مثالية لجعل مصر واحدا من مراكزنا الرئيسية للحصول على منتجات القطن المصري وتصنيعها".
ويقول شومان إن إجراءات مثل فحوص البصمة الوراثية ونظام للمراجعة الدولية ستقلل استخدام علامة القطن المصري زورا إلى 30% من الإمدادات العالمية بنهاية العام الجاري.
نعمة التعويم
تقول شركات التصدير والحلج إن أحد أكبر التحديات هو توفر الإمدادات إذ أن معروض القطن المصري ليس كبيرا.
غير أن هذا بسبيله إلى التغيير. ويتوقع مزارعون ومصدرون نهضة في زراعة محصول القطن بفضل قرار تعويم الجنيه المصري الذي أدى لانخفاض قيمة العملة بمقدار النصف فجأة، وساعد في زيادة أسعار القطن المحلي بشدة إلى نحو 3200 جنيه مصري (174 دولارا) للقنطار، الذي يعادل 160 كيلوجراما، ارتفاعا من 1200 جنيه قبل بضعة أشهر.
وقال ماهر علام مزارع القطن في دلتا النيل، لرويترز، إنه يعتزم زيادة المساحة المزروعة قطنا من أرضه إلى أربعة أمثالها، إنه "لم يكن هناك أمل في القطن حتى الموسم الحالي... والآن كل المزارعين سيزرعونه".
ويتيح الطقس في مصر وسطوع الشمس فيها وكذلك جودة البذور زراعة القطن طويل التيلة بجودة غير عادية تسمح بإنتاج غزول خفيفة متينة لها بريق جذاب وملمس ناعم.
ويباع القطن طويل التيلة بنحو مثلي سعر الأنواع العادية من القطن قصير التيلة.
ومن المحتمل أن تتيح عودة القطن المصري إلى الأسواق العالمية فرصة مربحة للتصدير في وقت تعاني فيه مصر من عجز ضخم في الميزان التجاري وتسعى لتنشيط اقتصادها الراكد.
ازدهار نشاط الحلج
كان شهر يناير أول شهر تعمل فيه آلات شركة إيجييارن، التي تملك مصنعا لغزل القطن على مشارف القاهرة، بكامل طاقتها منذ أكثر من عام بفضل ازدياد الطلب.
وأنتج المصنع - الذي يحتفظ بمستويات الرطوبة عالية فيه للحفاظ على الملمس الناعم للقطن طويل التيلة - 150 طنا من الغزول في يناير ارتفاعا من 110 أطنان في الشهر السابق.
وقال أحمد حسين مدير المصنع إن حركة العمل كانت سيئة، "أما الآن بهذا القطن الجديد أصبحت الأمور مختلفة... والعملاء يزيدون تعاقداتهم".
وأضاف حسين إن شركته كانت من أوائل الشركات التي اشترت المحصول الجديد عالي الجودة الأمر الذي كان سببا في عودة عملاء هجروا الشركة بسبب مشاكل الجودة.
وقال خالد موسى من شركة ألماتكس المنتجة للغزل "الشركات كانت تتجه للهند وباكستان لأن خصائص القطن المصري لم تكن ممتازة."
وتابع أن زيادة الإمدادات ستسمح للشركة بزيادة صادراتها مع ارتفاع الطلب بفضل كل من قضية ولسبن وتحسن المحصول. وتأمل الشركة أن تضاعف صادراتها تقريبا على مدار السنة القادمة إلى 3000 طن.