أحدث الأخبار
بدلا من الحداد عليهم.. تعرض مئات المهاجرين الذين فقدوا حياتهم، في فاجعة غرق مركب رشيد، للنقد والهجوم، وأُلقيت عليهم بلائمة موتهم.
وقتل أكثر من 168 شخصا عقب غرق مركب حمل 600 مهاجر، الأربعاء الماضي، في ساحل مدينة رشيد أمام برج رشيد بمحافظة البحيرة.
وتساءل مسؤولون وإعلاميون ومستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي عن الأسباب وراء سعي هؤلاء للحصول على حياة أفضل في الخارج.
وقال محمد سعفان، وزير القوى العاملة، في اتصال هاتفي مع برنامج "نهار جديد" على قناة النهار الفضائية، أمس الأحد، إن "مصر مليئة بفرص العمل في القطاع الخاص وهي بحاجة إلى أبنائها لكي يعمروها بدلا من الهجرة إلى الخارج.. وعايز أقولهم إن إحنا كلنا ابتدينا صغيرين، وأنا شخصيًا كنت اتقاضى 50 جنيهًا شهريًا في أول عمل لي".
وقدم حسام قاويش، المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء، تعازيه في مداخلة هاتفية على قناة "سي بي سي"، لكنه أغفل أن أسبابا اقتصادية هي التي دفعت ضحايا المركب إلى الرحيل.
وقال قاويش إن المهاجرين غير الشرعيين يدفعون مبالغ طائلة نظير هجرتهم، ومن الممكن أن يستغل الشباب تلك الأموال في إقامة مشروعات في قراهم، تكون مصدر دخل مناسب لهم وتقيهم في نفس الوقت من شر المشاركة في مثل هذه العمليات (عمليات التهريب) التي تودي بحياتهم.
وقال محمد الكاشف، باحث في شئون اللاجئين بالمبادرة المصرية لحقوق الإنسان، لأصوات مصرية، إن موجة لوم الضحية وجدت في المجتمع المصري منذ فترة، على الأقل منذ عام 2011.
وأضاف الكاشف أنه غالبا مع وقوع مختلف الحوادث المأساوية، يطرح الناس تساؤلات منها، ماذا أتى بهم (ضحايا الحادث) إلى هنا؟ أو لماذا ذهبوا إلى هذا المكان؟"، مشيرا إلى استخدام هذه الجمل من قبل في حوادث أخرى عنيفة.
كما كرر آخرون من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي والشخصيات عامة هذه الطريقة في الحوار التي ترى أن الضحايا استحقوا المصير الذي لاقوه، أو أنهم جلبوه لأنفسهم.
وقال الممثل نبيل الحلفاوي، في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، "للمحترمين فقط: كل من مات أيا كان السبب ندعو له بالرحمة. ضحايا الهجرة غير الشرعية نحزن من أجلهم وعلى حرقة أهلهم. لكن غضبنا منهم ومن أهلهم أكبر".
واعتبر أحمد موسى، مقدم برنامج "على مسئوليتي" على قناة صدى البلد، إن الشباب يذهبون إلى أوروبا باحثين عن فرص عمل وعادة ما يبيعون ممتلكاتهم لتوفير نفقات السفر قائلا "ممكن اللي عايز يشتغل يبيع اللي وراه واللي قدامه.. عشان يسافر يشتغل".
وأضاف قائلا "ولكن للأسف نعترف إنه فيه شغل في البلد، الرئيس من 6 أو 7 شهور أطلق مبادرة بـ200 مليار جنيه لتمويل مشروعات الشباب والمشروعات متناهية الصغر".
هذا الخطاب، كما أشار محمد الكاشف، يؤدي إلى المبالغة في قيمة الأموال التي يمتلكها المهاجرون وفي كلفة السفر.
وأوضح الكاشف أن تكلفة رحلة السفر تتراوح من 18 ألف جنيه إلى 30 ألفا، ولكن إجمالي المبلغ يدفع بالتقسيط بعد وصول الشخص للجهة الأخرى من البحر المتوسط.
وقال الكاشف "إذا كانت ظروف هؤلاء المهاجرين جيدة حقاً، لحصلوا على كشف حساب بنكي واستخدموه لطلب الحصول على تأشيرة لأي دولة في الخارج، ولما أجبروا على المرور بكل هذا".
وأضاف الكاشف أن من يلوم الضحية ينتمي، في الغالب، إلى الطبقة العليا أو المتوسطة وظروفهم ليست كظروف المهاجرين، الذين ينتمون للطبقات المهمشة، "وبالتالي فلا توجد لديهم أي فكرة عن ماهية الحياة بالنسبة لهم".
ونشرت صحيفة اليوم السابع في نسختها الالكترونية، أمس الأحد، مقالا تحت عنوان "7 معلومات عن جرائم الهجرة غير الشرعية في مصر".
وقال المقال إن "الجماعات الإرهابية تستغل بعض الشباب المهاجرين بطريقة غير شرعية لتكليفهم بأعمال تخريبية والانضمام إلى معسكرات الإرهابيين".
وأضافت الصحيفة أن العقوبات المفروضة لمكافحة الهجرة غير الشرعية ضعيفة للغاية، وهي حبس سنة للمهرب، ويتم اعتبار الشاب الذى يحاول السفر بطريقة غير شرعية "ضحية"، "ومن ثم نحتاج إلى ثورة تشريعية من البرلمان وتغليظ للعقوبات".
وبينما تميل وسائل الإعلام المصرية إلى تسمية المهاجرين "غير القانونيين" أو "غير الشرعيين"، قال الكاشف إن أغلب المنظمات العالمية أصبحت تطلق عليهم مصطلح "مهاجر غير نظامي".
واعتبر الكاشف أن هذا معناه "إننا نقول إن السفر غير قانوني في حين أنه حق من حقوق الإنسان ومجرد سفر بديل، وباستخدام هذا المصطلح نحن نوحي بأن المهاجرين قاموا بعمل إجرامي، بينما في الواقع هم كانوا الضحايا".
وكثيرا ما تعلن قوات الأمن المصرية عن إحباط محاولات هجرة غير شرعية تتضمن مئات الأشخاص.
ووفقا لأرقام مجلس الوزراء، أحبطت مصر 110 محاولات هجرة غير شرعية هذا العام، وسجلت وزارة الداخلية أكثر من 135 حالة "هجرة غير شرعية".
إلا أن كاشف يرى أن هناك أمرين صادمين في هذه الواقعة، أولهما أن "هذه هي المرة الأولى منذ وقت طويل، ترحل فيه أسر مصرية بأكملها، لم يرسلوا أبناءهم فقط ليحصلوا على حياة أفضل هنا، بل أرادوا الهرب من حياتهم كلها هنا".
أما الأمر الثاني فهو أن "الحادثة وقعت في المياه المصرية، وغالبا عندما تغرق المراكب يكون هذا في وسط البحر المتوسط وليس بهذه الدرجة من القرب من الشواطىء".
ويعتبر الكاشف أن الأمر أسوأ في حالة المهاجرين السودانيين وغيرهم من المهاجرين الأفارقة الذين يحتجزون في ثلاجات بالسفن، حيث يضع الصيادون السمك.
وأطلق مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي على المهاجرين أوصاف "همج" و"كسالى" وادعوا أنهم "لا يريدون العمل وليست لديهم أي قيم".
وقال أحد المستخدمين إن المهاجر غير الشرعي يجب أن يموت وسط البحار ولا يحق له أن يدفن في مصر، على الأقل سيقل الزحام والكسول الذي يضر الاقتصاد سيترك مساحة لغيره.
وقال الكاشف إن أحد الناجين من الموت في حادثة مركب رشيد شرح له قراره بالسفر قائلاً، "لا أحد يرمي بنفسه إلى الموت إلا إذا كان هاربا من موت آخر".