أحدث الأخبار
"هذه الآثار ليست ملكك"، تتحدث عالمة الآثار مونيكا حنا، عن الرسائل الضمنية التي تلقاها المواطن المصري في زمن الاحتلال "ولا يزال"، كونه غير مرحبٍ به في الموقع الأثري.
تلك الرسائل جعلت، بحسب مونيكا، من السهل على المصري التفريط في آثار بلده، وهو أمرٌ لديها وصفة علمية مجربة لمعالجته، فما هي هذه الوصفة؟.
تدعو مونيكا لربط الطفل بتراثه الحضاري، عبر تدريس التاريخ على الأرض، في المتاحف، والمواقع الأثرية، "ولننسف كتاب الدراسات الاجتماعية"، معتبرة أن "العلاقات القوية قادرة على الصمود أمام إغراء المال".
في المتحف بدأت الحكاية
كانت طالبة في الثانوية العامة، ذهبت في رحلة مدرسية للمتحف المصري الذي يزيد عمره على المئة عام، وعلى أعتابه جاءت تعليمات المشرفات بالتزام برنامج الرحلة، وعدم الانشقاق عن المجموعة، لكن فضول الفتاة لم يصمد طويلا، وراحت تكتشف ما وراء الأبواب المغلقة.
أحدهم وارب باب الغرفة التي يقف فيها شخصان، يعملان بتركيز كبير على شيء داخل صندوق خشبي قديم. "ماذا تفعلان؟" تساءلت، فردا بهدوء "ننظف مومياء فرعونية". فعقبت دون تفكير "هل يمكنني أن أساعدكما؟".
وعلى مدار ثلاث سنوات كانت تذهب كل يوم بعد المدرسة تقدم العون لمرممي المتحف، حتى التحقت بالجامعة، وفضلت دراسة علم المصريات على الهندسة.
ذقن توت
تذكرون ما حدث لقناع الملك توت عنخ آمون في يناير 2015، حين انفصلت اللحية عن الذقن خلال تنظيفه، واستخدم مرممو المتحف مادة الإيبوكسي في لصقها (ما شكل خطرا على الأثر) وحينها قامت الدنيا ولم تقعد.
كانت تلك الطالبة التي باتت أستاذة علم المصريات، وعدد من زملائها، أول من أطلق صرخات ذلك العويل الذي لولاه لظل الذقن مشوها.
تلك الطالبة هي مونيكا حنا، عالمة آثار مصرية، تكافح قدر استطاعتها ضد أي انتهاك أو سرقة لأي أثر مصري، ما رشحها لمنصب وزير الآثار أكثر من مرة.
أطلقت مونيكا ومغرمات بالآثار مبادرة في 2013، لرصد ومحاربة أي انتهاك للآثار المصرية وفي المقدمة التهريب.
واختيرت للشهادة أمام لجنة تابعة لوزارة الخارجية الأمريكية لتوصية الكونجرس الأمريكي بشأن اتفاق ثنائي بين مصر وأمريكا، من شأنه وقف بيع كل الممتلكات الثقافية المصرية في السوق الأمريكية.
الاتفاق الذي لا يزال معلقا منذ 2014، ذو أهمية كبرى إذ تعتبر الولايات المتحدة أكبر سوق لبيع وتداول الآثار المصرية علانية، فهي غير موقعة على اتفاقية اليونيسكو التي تمنع ذلك.
تفصيل الوصفة
لكن تهريب الآثار وبيعها أمر لا توقفه القوانين وحدها، بل التعليم أيضا، لهذا السبب ترى مونيكا ضرورة "نَسف كتاب الدراسات الاجتماعية"، وهو الكتاب الذي يبدأ تدريس تاريخ مصر وجغرافيتها لطلاب المرحلة الابتدائية.
والسبب، بحسب مونيكا، أنه "يحول التراث إلى مجرد أسماء وتواريخ يحفظها الطالب ليصبها في ورقة الامتحان".
والخطورة هنا، تتمثل في قطع العلاقة بين الطفل وبيئته، "طلبت منهم رسم أي من الآثار التي يعرفونها، فرسموا الثلاثة أهرامات في الكتاب المدرسي"، هكذا تتحدث مونيكا عن إحدى الورش التعليمية التي قدمتها لأطفال في مدينة الأقصر، البر الغربي، تلك المدينة التي تضم قرابة ثلث آثار العالم ولا يعرف أبناؤها الصغار شيئا عن آثارها، ورسموا أهرامات الجيزة التي ربما لم يشاهدوها سوى في الكتب المدرسية.
وهي الأهرامات التي كانت- قبل تراجع السياحة الوافدة من الخارج- على حد قول عالمة المصريات، تغلق أبوابها أمام المصريين يوم شم النسيم "خوفا من حلل المحشي والفسيخ" بدلا من توعية الناس بأهمية الحفاظ على الأثر.
وترى أستاذة الآثار، التي رحب مرممو المتحف قبل سنوات بوجودها وعرضها تقديم المساعدة، أن المصري عانى منذ زمن الاحتلال ولا يزال من عدم الترحيب به في الموقع الأثري، "ما أعطاه رسائل غير مباشرة بأن هذا الأثر ليس ملكه، وبالتالي بات سهلا عليه التفريط فيه".