أحدث الأخبار
على مدى السنوات السبع الماضية أدار محسن الجدامي نشاطا تجاريا ناجحا في استيراد الفول أحد الأغذية الأساسية لكثير من المصريين لكنه بات الآن يواجه شبح الإفلاس بعد التحرير المفاجئ لسعر صرف العملة في أواخر العام الماضي.
فالجدامي واحد من آلاف المستوردين الذين عانوا من أوضاع صعبة بسبب تعويم الجنيه المصري في نوفمبر إذ انخفض السعر الرسمي للجنيه إلى النصف منذ التعويم مما ألقى بديون دولارية يزداد ثقلها على كاهل المستوردين.
وقال الجدامي في مقابلة بأحد المقاهي في القاهرة بعد أن قاد سيارته لمدة ثلاث ساعات من مدينته المنيا في صعيد مصر كي يشرح للبنك الذي يتعامل معه عدم قدرته على سداد دينه بسعر الصرف الجديد "لقد كُبلت أيدينا وألقي بنا في البحر."
ويقول المستوردون إن مأزقهم سيزيد من حدة نقص السلع الأساسية في مصر التي تسعى فيها الحكومة للحصول على قروض دولية ضرورية لتحقيق الاستقرار في البلاد بعد انتفاضة 2011 التي أدت إلى عزوف المستثمرين والسياح.
ويتعرض الرئيس عبد الفتاح السيسي -الذي انتخب في 2014 بعد أن عزل الجيش الرئيس السابق محمد مرسي عقب احتجاجات حاشدة على حكمه- لضغوط من أجل إنعاش الاقتصاد وإبقاء الأسعار تحت السيطرة وتوفير فرص عمل لتجنب الاحتجاجات الشعبية.
ومن بين الشعارات التي رفعت في انتفاضة 2011 "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية" وهو ما يعني أن مستوردي السلع الأساسية مثل الجدامي تلقوا معاملة خاصة.
وأبلغت الحكومة البنوك بإعطاء تلك الشركات الأولوية في توزيع السيولة الشحيحة من العملة الأجنبية وحصل كثير من المستوردين على خطوط ائتمان من بنوكهم مع إيداع ضمانات بقيمة تبلغ نحو 120 في المئة من قيمة خط الائتمان بسعر الصرف الرسمي البالغ 8.8 جنيه للدولار قبل التعويم.
وبينما استوعب المستوردون مخاطر انخفاض قيمة العملة إلا أنهم اعتقدوا أن البنك المركزي سيوفر لهم دولارات لتغطية طلبات الاستيراد المتراكمة إذا قام بتغيير سعر الصرف مثلما فعل حين خفض سعر الجنيه في مارس.
وفي الثالث من نوفمبر قام البنك المركزي بتحرير سعر صرف الجنيه دون تغطية طلبات الاستيراد المتراكمة لتنخفض قيمة العملة المحلية إلى نحو 19 جنيها للدولار.
ويواجه الجدامي ديونا تصل إلى 900 ألف دولار إذ أودع ضمانا بنحو ثمانية ملايين جنيه مصري لكن البنك يطالبه حاليا بدفع ثمانية ملايين جنيه إضافية. ويقول الجدامي إن البنك اتخذ بالفعل إجراء قانونيا وإنه قد يواجه عقوبة السجن لكن الحكومة بصدد إلغاء تلك العقوبة في قضايا الإفلاس.
كذلك يعاني أحمد هنداوي الذي يعمل في استيراد القمح إحدى السلع الأساسية من وضع مماثل. ويقول "نحن لا نواجه صعوبة بل نواجه إفلاسا. فديوني المستحقة للبنك تعادل 150 بالمئة من رأسمالي."
تعاني شركة هنداوي من ديون متراكمة بقيمة 2.5 مليون دولار للبنك الذي يتعامل معه. وقال هنداوي إنه بالرغم من إيداعه 24.4 مليون جنيه كضمان للقرض فإن البنك الذي يتعامل معه ينتظر منه حاليا أن يسدد 28 مليون جنيه إضافية.
وقال هنداوي "لا أستطيع تغطية ذلك. سأضطر لأن أقول لهم ‘أشكركم كثيرا، فلتأتوا وتأخذوا شركتي ومصنعها... سأترك لهم الشركة وأرحل."
"إذا قمنا جميعا بذلك فستتوقف عجلة الاقتصاد."
* إفلاس
في إعلان احتل صفحة كاملة من صحيفة الأهرام الحكومية ناشدت شركات تجارية وصناعية السيسي الشهر الماضي التدخل على وجه السرعة.
ويقدر مصرفيون حجم الديون المتراكمة بنحو عشرة مليارات دولار وحذرت الشركات من أنها إذا تعرضت للإفلاس فإن ذلك قد يؤدي إلى خسارة مليوني وظيفة وحدوث نقص في السلع الأساسية.
وتدعم البنوك -التي لا تريد أن تتحمل أي خسارة- مطالب الشركات.
وقال مصرفي في القاهرة طلب عدم نشر اسمه لأنه غير مخول بالحديث إلى وسائل الإعلام "الديون بالدولار وليست بالجنيه المصري، وتغير سعر الصرف ليس مشكلة البنك."
وأضاف "كان ينبغي للبنك المركزي أن يغطي جميع الطلبات المتراكمة للمستوردين قبل التعويم. أعتقد أنه سيتدخل. فلا يمكنهم ترك الشركات على هذا الوضع."
ووافقت الحكومة المصرية على أول قانون للإفلاس في البلاد يوم الأربعاء من شأنه إلغاء عقوبة الحبس في قضايا الإفلاس لكن القانون يحتاج لموافقة البرلمان قبل تطبيقه وهي عملية قد تستغرق أسابيع أو أشهر.
وساهم تخلي مصر عن ربط عملتها بالدولار في تأمين قرض بقيمة 12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات من صندوق النقد الدولي لدعم برنامج إصلاح تضمن قيام الحكومة بتطبيق ضريبة القيمة المضافة وخفض دعم الكهرباء وزيادة الرسوم الجمركية على الواردات بشكل كبير وكل ذلك في غضون أشهر قليلة.
وكان لهذه الخطوات تأثير كبير على المواطن العادي مما يجعل تدخل البنك المركزي أو الحكومة لدعم المستوردين أمرا غير مستساغ سياسيا.
وفي الشهر الماضي استبعد محافظ البنك المركزي طارق عامر التدخل في سوق العملة ليبدد آمالا بأن يقدم البنك على عملية بيع استثنائية للدولار بسعر أقل للمستوردين المتعثرين لتغطية الطلبات المتراكمة.
وقال عامر "كان السوق يعتقد بأنه لا يزال يتعين علينا تقديم الدعم لنظام سعر الصرف. لا، نحن نريد لهذا المولود الجديد أن يقف على قدميه وأن يدعم نفسه."